لا آكل طعام عدوى
لم يصدق حسن الهلالى ما قالوه أن الكتب قالت إن دياب هو الذى سيقتل الزناتى .. وقال أن هذا من الخرافات..
أو هو من أكاذيب سعدة بنت الزناتى التى ودعت أن تفتح أبواب تونس أمام أهل حبيبها ولم تفعل…
ويقول الراوى…
إنه على العكس من ذلك صدق وتأكد من قراءة الرمل.. أن دياب هو قاتل الزناتى .. حتى ولم تمكن منه فارس آخر .. وحده دياب الزغابى هو الذى ينتزع الحياة من قلب الزناتى.
ولهذا أسرها فى نفسه وأصر على إبعاد دياب بعيداً عن المعركة والنزال .. ودبر حتى اختاروه لحراسة المال من قطعان الأغنام والجمال.. وأرسلوه بها بعيداً عن ساحة القتال.. هناك فى وادي الفضاء وبر غلامس وأرض العويجة والمرجة الخضراء.. ومعه كثيرون من الزغابة وبعض العبيد والإماء..
لكن الأمور تغيرت والأحوال تبدلت .. وبعد أن كان الزناتى يرفض الخروج من الأسوار ليقاتل.. أصبح يوماً على الله يصول أمام معكسر الهلالية وهو يصيح فى عنجهية: هل من منازل..
فأبو زيد هو الآخر طريح الفراش بعد أن عضه الثعبان.. ولم تجد معه المراهم والبلاسم فرقد عاجزاً مشلولاً .. لا يناجز ولا يبارز..
وأثناء هذا قتل الزناتى العشرات من أمراء الهلالية.. واضطرب حسن أن يرسل تحت ضغط الجازية وأبناء وبنات المقتولين وبناتهم لاستعداء دياب لينجز مهمته التاريخية… ويخلصهم من المأزق الذى وضعتهم فيه غباوتهم فى فهم الإرادة الإلهية..
ووجدها دياب فرصته للانتقال ممن يتمنون موته ولإذلال حسن نفسه، الذى لا ينزال له من زور .. فركبه الغزو وتمادي فى إملاء شروطه….
وبينما هو جالس فى ظلال شجرة فى برية الغلامس فى انتظار وصول أبيه غانم وأخته غنيمة على رأس موكب يضم ثمانين أميراً وثمانين فقيراً وثمانين فقيها من الهلالية.. إذ جاءه بعض العبيد صارخين زاعقين مستنجدين:
- النجدة يا أمير دياب.. النجدة والغوث..
هب الأمير دياب على حيله..
وامتطى خير مهرة من خيوله.. وصاح بهم:
- من أى شىء تهربون وتصرخون؟!.
قالوا:
- عفريت من الجن خرج علينا مهول الخلقة طويل القامة.. رأسه فى السحاب وكعب رجله يشق التراب .. هجم علينا كالزاوبعة ما أسرعه، ويكف واحد اختطف فصيل من مالك وجمالك ورفعه من رقبته كأنه يمسك بأرنب فى قبضته وحطة على السراج أمامه .. ومثلما ظهر كالبرق اختفى كلمح البصر. وانصرف كما حضر..
قال الراوى..
لما حكي الرعاة لدياب ما نظروه … وهولوا فى وصف ما رأوه .. قام من فوره وامتطى فرسه الشبها.. التى صار لها زمان لم تخضن حرباً.. ونادى عبده بدران وقال له:
- قصى الأثريا يا بدران.. وهيا نحلق بذلك العفريت من بنى الحان…
ومضى بدران أمامه على الحصان يقرأ الآثار .. ويقوده على الطريق الذى سلكه المارد الجبار.. حتى انتهوا إلى خيمة أمامها صبية. لها قامة ألفية… وذات حسن وجمال .. وقد اعتدال .. وأمامها ذلك الجزور الذى سرق من صغار جمال دياب.. وهو مجزور… مقطع على جلده أمام الباب..
فلما رأتهما قادمين ، قامت لهما واقفة على القدمين.. حاسرة الرأس دون خمار ولا ستار.
صاح بها دياب المهاب:
- الزمى خباك يا امرأة السوؤ لا رحم الله من رباك..
صاحت به المرأة السافرة.. فى لهجة قادرة:
- الزم حدودك أيها الفارس .. فأنت هنا فر بر غلاس .. وهى أرض زوجى أبو خريبة الفارس الجبار أخو الزتاتى قاهر الأشرار…
قال العبد بدران:
- ياستار…
والتفت فإذا بجيش جرار من مائه فارس مغوار … صاح ما هذا ؟!…
فصاحت به:
- يا هذا .. أنه صاحب البت جاء ليقيم بناءه .. .ويحميه ويقتل أعداءه…
سخر منها دياب .. وأمر عبده بدران تلقاء القادمين وأمره أن يقتل أفرسهم ويأتى بفرسه فى غمضه عين.
فانطلق بدران وهو لا ينوى ملاقاتهم.. وعيناه تدوران فى المكان لتجد مفراً من مواجهتهم … فلم يجد خلف التل إلا حجر ضبع ساكنة ليس فيه .. فدفن نفسه فيه طالبا من الله أن يخفيه … وعن عيونهم يدرايه..
أما ما كان من أمر دياب فقد التف إلى زوجة أبى خريبة.. وقال:
- أما أنا فسأذهب للتوضأ ولأصلي الفرض حتى أكون جاهزاً الملاقاة فارسك ودفنة فى سابع أرض..
أما أبو خريبة فأنه عند وصل إلى حيث زوجته.. سألها حين رأى آثار الشهبا عمن كما فى ضيافته..
فقالت له عقيلة زوجته:
- أنه دياب أمير من بنى هلال … الذى خطفت هذا الجزور مما يملك من الجمال … وقد جاء يطلب الثأر منك ويدعوك إلى القتال…
- ارتجفت ركبتا أبى خريبة .. لكنه أخفى الخيبة .. فقد كان يعرف بل كل الزناتية .. وأن لهم فى سيف دياب ما يكفى من أسباب المنية..
فقال لعقلية:
- إذن لقد تعدينا عليه… وأغرنا على ما لديه .. فقومى فى الحال… وخذى له ملء هذه القصعة من اللحم والزبد. وحاولي أن ترجعيه عما ينتويه.. وعن قتالي أثنيه.. وصالحيه..انصحيه وأن يعود من حث جاء .. وإلا فلن يكون له بعد اليوم من رجاء..
ضحكت عقلية فى سرها .. وأخفت ابتسامتها فى كمها.. وقامت فجهزت اللحم والشواء وحملت منه أطيبه مع جرة ما .. وتتبعت أثر دياب حتى لحقت به عند العين..
وكان دياب قائماً يصلى.. فانتظرت حتى انتهي من صلاته.. ثم قربت منه اللحم والزبد ..ودعته للطعام .. ليسود بين زوجها وبينه السلام..
ولما انتهت من الكلام .. قال لها:
- يا عقلية .. ضعى الماء الذى أحضرته أمام الفرس… فإن شربت منه فسوف أسمع كلامك . ..آكل من طعامك..
ولما قدمت عقلية الماء ووضعته أمام الشهبا .. حمحمت الشهبا غاضبة ورفست القربة فسكبتها.
وهنا ضحك دياب وقال لها:
- أرأيت يا عقيلة.. أنا أكل طعم عدوي .. فقومى اذهبى إله وأجعليه ينتظر قدومى….
***
كان أبو خريبة حاكماً على هذه الأقاليم .. ولاه أخوه الزناتى عليها.. وأطلق يده فى قبائلها.. فأسرف فى الظلم حتى استجارت منه القبائل.. إذ كان يغير عليه كل حين ليخطف العذارى من بنات شيوخها وأمراءها ويضمنهن لحريمه .. وكانت عقيلة ابنته أحد شيوخ تلك القبائل خطفها وأسكنها فى البرية أنها لم تنجب له أطفالاً…
ولذا فكرت أن دياب قد يكون منقذها من هذا العذاب.. ولذا حذرته من أبى خريبة.. وقالت لدياب أنها تريد مساعدته لكي يخلصها مما هى فيه.. ويعيدها لأهلها..
قالت له:
- إنى أبى خريبة عندما يأكل فإن الجزور كله لن يكفيه . بعدها يصبح وحشا مقاتلاً .. لا يغلبه مائة فارس.. فاتركنى أذهب إليه.. وسوف أحذرك حتى لا تهاجمه وهو شبعان .. فتصبح هزيمته أمراً صعباً..
- قال دياب..
- وكيف أعرف أن كان شبعاناً أم جوعاناً؟
قالت له عقيلة:
- سوف أكون خارج الخيمة فإن رأيتنى أضع السرج على الحصان وركابه الشمال ناحية اليمن وركابه اليمن ناحية الشمل.. فاعرف أنه قد أكل .. وأصبح صعب المراس فلا تدعه للنزال أو للقتال…
أما إن وجدتنى أدق بالدقماق أوتاد الخيمة.. فهو فى أسوأ حال.. فادعه للقتال…
***
رأى دياب عقيلة فوق التلة تدق بالدقماق أوتاد الخيمة… فأطمئن قبله .. فقام وتوضأ ثم صلى .. واستلقى تحت إحدى النحلات ونام الشهبا ترعي بجواره..
وكان بدران ما زال قابعاً فى حجر الضبع ينتظر ما ستسفر عنه المعركة.. فإنه تمكن أبو خريبة من دياب خرج ليحمل الخبر المشئوم إلى الهلالية.أما إذا كان انتصر دياب خرج معلناً فرحته الكبرى.. يزف إلى الدنيا البشرى.. بينما كان قلبه يرتعد كلما تصور عودة الضبع فجأة وهو فى حشرته هذه التى لم تكن تخطر بباله..
أما أبو خريبة فقد قرر أن يأخذ على حين غرة بالغدر.. فحذرته عقلية وقالت:
- هذا عار ولكن لنرى همتك فندعوك الفارس الغدار.
ومع ذلك ركب فرسه ومضى صامتاً يريد أن يفاجئ دياب لكن الشهبا شمت رائحة الحصان فأسرعت نحو دياب وصهلت فوق رأسه.. فأيقظته .. فأسرع دياب وامتطى الشهبا فلم يتمكن أو خريبة من مفاجأته كما كان يتمنى.. فوقف كل منهما يتفاخر بقوته ويهون من شانه صاحبه.. فيثير غضبه.. حتى لم يعد هناك بعد الكلام كلام.. فحمل كل منهما على الآخر كالصاعقة ولما وجد أبو خريبة قوة خصمه .. وأخذ يغريه بالمال والجمال.. أن يوقف القتال وبمضى كل منهما إلى حال سبيله.. ولكن دياب المرصود لتقل الزناتى لم يكن ليفعل ويمضى كل منهما إلى حال سبيله. ولكن دياب المرصود لتقل الزناتى لم يكن ليفعل المصالحة مع أخيه.. الأقل شأناً منه فهجم عليه وكر حتى لم يعد هناك مفر .. فضربه ضربة كانت القاضية .. فوقع على الأرض يتخبط فى دمه.
وحين رأى بدران ذلك حاول الخروج ولكن الضبع كان قد أتى.. فلما رآه زام وهجم عليه ولا أن وجد فرع سنط جاف إلى جواره.. فأخذ يضربه به وهو راقد فى الحجر والضبع يحاور ويناوره.. حتى ضربه ضربة فوق رأسه.. فقأت فرع السنط إحدى عينه.. فجرى مهزوماً.. يصرخ من الألم .. انتهزها بدران فرصة .. كل ينطلق إلى حيث كان دياب قائماً بفرسه على رأس جثة أبى خريبة .. فهنأه بالنصر .. وأحضر سيفا وأراد أن يقطع رأس القتيل .. وكان لأبى خريبة شوارب طوال يتحدث عن طولها العيال والرجال.. ولذا حركها الهواء عندما مالت الرأس حين مسها على الرمال فانفزع بدران وانخلع قلبه وقفز مذعوراً إلى الخلف ليسقط فى بركة من مياه الخيل والدماء..
فنزل دياب ضاحكاً من منظره.. فقطع الرأس وحطها فى مخلة الجواد… وتوجه إلى خيمة عقلية .. فاصرت أن تضيفه … فأبى .. وقال :
- كريم الخصال لا يدخل ضيفا فى بيت بلا رجال…
فأكبرت عقيلة موقفه وطلبت منه أن يعيدها إلى أهلها .. وقد وقع حبه فى قلبها.
وأرادت أن تركب خلفه على الفرس.. فلم يوافق. وأرسل بدران ليحضر جملاً عليه هودج أركبها فيه.. ومضى بها والعبد يسحب الجمل وراءه حتى وصل إلى مضارب قبيلتها .. فخرج أهلها على صوت زغريدها.. والتفوا حول دياب يشكرونه وعندما اخبرهم أنه قتل أبى خريبة لم يصدقونه.
فقال دياب لبدران.
- هات الرأس من المخلة..
وحملها بدران يريهم إياها.. فهبت الريح وحركت الشوارب.. ففز كل الأقارب وخرجوا مرعوبين من المضارب.. فضحك دياب من جنبهم وصاحت عقلية بهم فعادوا .. وهم يقدمون رجلاً ويؤخرون الأخرى .. وأراد والد عقلية أن يكرمه.. فعرض عليه أن يهب له ابنته…
فقال له دياب:
- هل لها إخوة يا شيخ؟
- فقال الشيخ مباهياً مفاخراً:
- طبعاً لها عشرة إخوة من الرجال والأبطال…
فسخر دياب وقال:
- هذا واضح وفاضح يا شيح .. أشكرك على هديتك .. ولكنى لا أستطيع قبولها فلتدلى أبناء فى شجاعة أخوتها…
- ولوى لجام الشهبا وتبعه بدران .. وعادا إلى مضاربهم .. ثم أرسل بدران إلى بنى هلال حاملاً رأس أبى خريبة.
لم يصدق حسن الهلالى ما قالوه أن الكتب قالت إن دياب هو الذى سيقتل الزناتى .. وقال أن هذا من الخرافات..
أو هو من أكاذيب سعدة بنت الزناتى التى ودعت أن تفتح أبواب تونس أمام أهل حبيبها ولم تفعل…
ويقول الراوى…
إنه على العكس من ذلك صدق وتأكد من قراءة الرمل.. أن دياب هو قاتل الزناتى .. حتى ولم تمكن منه فارس آخر .. وحده دياب الزغابى هو الذى ينتزع الحياة من قلب الزناتى.
ولهذا أسرها فى نفسه وأصر على إبعاد دياب بعيداً عن المعركة والنزال .. ودبر حتى اختاروه لحراسة المال من قطعان الأغنام والجمال.. وأرسلوه بها بعيداً عن ساحة القتال.. هناك فى وادي الفضاء وبر غلامس وأرض العويجة والمرجة الخضراء.. ومعه كثيرون من الزغابة وبعض العبيد والإماء..
لكن الأمور تغيرت والأحوال تبدلت .. وبعد أن كان الزناتى يرفض الخروج من الأسوار ليقاتل.. أصبح يوماً على الله يصول أمام معكسر الهلالية وهو يصيح فى عنجهية: هل من منازل..
فأبو زيد هو الآخر طريح الفراش بعد أن عضه الثعبان.. ولم تجد معه المراهم والبلاسم فرقد عاجزاً مشلولاً .. لا يناجز ولا يبارز..
وأثناء هذا قتل الزناتى العشرات من أمراء الهلالية.. واضطرب حسن أن يرسل تحت ضغط الجازية وأبناء وبنات المقتولين وبناتهم لاستعداء دياب لينجز مهمته التاريخية… ويخلصهم من المأزق الذى وضعتهم فيه غباوتهم فى فهم الإرادة الإلهية..
ووجدها دياب فرصته للانتقال ممن يتمنون موته ولإذلال حسن نفسه، الذى لا ينزال له من زور .. فركبه الغزو وتمادي فى إملاء شروطه….
وبينما هو جالس فى ظلال شجرة فى برية الغلامس فى انتظار وصول أبيه غانم وأخته غنيمة على رأس موكب يضم ثمانين أميراً وثمانين فقيراً وثمانين فقيها من الهلالية.. إذ جاءه بعض العبيد صارخين زاعقين مستنجدين:
- النجدة يا أمير دياب.. النجدة والغوث..
هب الأمير دياب على حيله..
وامتطى خير مهرة من خيوله.. وصاح بهم:
- من أى شىء تهربون وتصرخون؟!.
قالوا:
- عفريت من الجن خرج علينا مهول الخلقة طويل القامة.. رأسه فى السحاب وكعب رجله يشق التراب .. هجم علينا كالزاوبعة ما أسرعه، ويكف واحد اختطف فصيل من مالك وجمالك ورفعه من رقبته كأنه يمسك بأرنب فى قبضته وحطة على السراج أمامه .. ومثلما ظهر كالبرق اختفى كلمح البصر. وانصرف كما حضر..
قال الراوى..
لما حكي الرعاة لدياب ما نظروه … وهولوا فى وصف ما رأوه .. قام من فوره وامتطى فرسه الشبها.. التى صار لها زمان لم تخضن حرباً.. ونادى عبده بدران وقال له:
- قصى الأثريا يا بدران.. وهيا نحلق بذلك العفريت من بنى الحان…
ومضى بدران أمامه على الحصان يقرأ الآثار .. ويقوده على الطريق الذى سلكه المارد الجبار.. حتى انتهوا إلى خيمة أمامها صبية. لها قامة ألفية… وذات حسن وجمال .. وقد اعتدال .. وأمامها ذلك الجزور الذى سرق من صغار جمال دياب.. وهو مجزور… مقطع على جلده أمام الباب..
فلما رأتهما قادمين ، قامت لهما واقفة على القدمين.. حاسرة الرأس دون خمار ولا ستار.
صاح بها دياب المهاب:
- الزمى خباك يا امرأة السوؤ لا رحم الله من رباك..
صاحت به المرأة السافرة.. فى لهجة قادرة:
- الزم حدودك أيها الفارس .. فأنت هنا فر بر غلاس .. وهى أرض زوجى أبو خريبة الفارس الجبار أخو الزتاتى قاهر الأشرار…
قال العبد بدران:
- ياستار…
والتفت فإذا بجيش جرار من مائه فارس مغوار … صاح ما هذا ؟!…
فصاحت به:
- يا هذا .. أنه صاحب البت جاء ليقيم بناءه .. .ويحميه ويقتل أعداءه…
سخر منها دياب .. وأمر عبده بدران تلقاء القادمين وأمره أن يقتل أفرسهم ويأتى بفرسه فى غمضه عين.
فانطلق بدران وهو لا ينوى ملاقاتهم.. وعيناه تدوران فى المكان لتجد مفراً من مواجهتهم … فلم يجد خلف التل إلا حجر ضبع ساكنة ليس فيه .. فدفن نفسه فيه طالبا من الله أن يخفيه … وعن عيونهم يدرايه..
أما ما كان من أمر دياب فقد التف إلى زوجة أبى خريبة.. وقال:
- أما أنا فسأذهب للتوضأ ولأصلي الفرض حتى أكون جاهزاً الملاقاة فارسك ودفنة فى سابع أرض..
أما أبو خريبة فأنه عند وصل إلى حيث زوجته.. سألها حين رأى آثار الشهبا عمن كما فى ضيافته..
فقالت له عقيلة زوجته:
- أنه دياب أمير من بنى هلال … الذى خطفت هذا الجزور مما يملك من الجمال … وقد جاء يطلب الثأر منك ويدعوك إلى القتال…
- ارتجفت ركبتا أبى خريبة .. لكنه أخفى الخيبة .. فقد كان يعرف بل كل الزناتية .. وأن لهم فى سيف دياب ما يكفى من أسباب المنية..
فقال لعقلية:
- إذن لقد تعدينا عليه… وأغرنا على ما لديه .. فقومى فى الحال… وخذى له ملء هذه القصعة من اللحم والزبد. وحاولي أن ترجعيه عما ينتويه.. وعن قتالي أثنيه.. وصالحيه..انصحيه وأن يعود من حث جاء .. وإلا فلن يكون له بعد اليوم من رجاء..
ضحكت عقلية فى سرها .. وأخفت ابتسامتها فى كمها.. وقامت فجهزت اللحم والشواء وحملت منه أطيبه مع جرة ما .. وتتبعت أثر دياب حتى لحقت به عند العين..
وكان دياب قائماً يصلى.. فانتظرت حتى انتهي من صلاته.. ثم قربت منه اللحم والزبد ..ودعته للطعام .. ليسود بين زوجها وبينه السلام..
ولما انتهت من الكلام .. قال لها:
- يا عقلية .. ضعى الماء الذى أحضرته أمام الفرس… فإن شربت منه فسوف أسمع كلامك . ..آكل من طعامك..
ولما قدمت عقلية الماء ووضعته أمام الشهبا .. حمحمت الشهبا غاضبة ورفست القربة فسكبتها.
وهنا ضحك دياب وقال لها:
- أرأيت يا عقيلة.. أنا أكل طعم عدوي .. فقومى اذهبى إله وأجعليه ينتظر قدومى….
***
كان أبو خريبة حاكماً على هذه الأقاليم .. ولاه أخوه الزناتى عليها.. وأطلق يده فى قبائلها.. فأسرف فى الظلم حتى استجارت منه القبائل.. إذ كان يغير عليه كل حين ليخطف العذارى من بنات شيوخها وأمراءها ويضمنهن لحريمه .. وكانت عقيلة ابنته أحد شيوخ تلك القبائل خطفها وأسكنها فى البرية أنها لم تنجب له أطفالاً…
ولذا فكرت أن دياب قد يكون منقذها من هذا العذاب.. ولذا حذرته من أبى خريبة.. وقالت لدياب أنها تريد مساعدته لكي يخلصها مما هى فيه.. ويعيدها لأهلها..
قالت له:
- إنى أبى خريبة عندما يأكل فإن الجزور كله لن يكفيه . بعدها يصبح وحشا مقاتلاً .. لا يغلبه مائة فارس.. فاتركنى أذهب إليه.. وسوف أحذرك حتى لا تهاجمه وهو شبعان .. فتصبح هزيمته أمراً صعباً..
- قال دياب..
- وكيف أعرف أن كان شبعاناً أم جوعاناً؟
قالت له عقيلة:
- سوف أكون خارج الخيمة فإن رأيتنى أضع السرج على الحصان وركابه الشمال ناحية اليمن وركابه اليمن ناحية الشمل.. فاعرف أنه قد أكل .. وأصبح صعب المراس فلا تدعه للنزال أو للقتال…
أما إن وجدتنى أدق بالدقماق أوتاد الخيمة.. فهو فى أسوأ حال.. فادعه للقتال…
***
رأى دياب عقيلة فوق التلة تدق بالدقماق أوتاد الخيمة… فأطمئن قبله .. فقام وتوضأ ثم صلى .. واستلقى تحت إحدى النحلات ونام الشهبا ترعي بجواره..
وكان بدران ما زال قابعاً فى حجر الضبع ينتظر ما ستسفر عنه المعركة.. فإنه تمكن أبو خريبة من دياب خرج ليحمل الخبر المشئوم إلى الهلالية.أما إذا كان انتصر دياب خرج معلناً فرحته الكبرى.. يزف إلى الدنيا البشرى.. بينما كان قلبه يرتعد كلما تصور عودة الضبع فجأة وهو فى حشرته هذه التى لم تكن تخطر بباله..
أما أبو خريبة فقد قرر أن يأخذ على حين غرة بالغدر.. فحذرته عقلية وقالت:
- هذا عار ولكن لنرى همتك فندعوك الفارس الغدار.
ومع ذلك ركب فرسه ومضى صامتاً يريد أن يفاجئ دياب لكن الشهبا شمت رائحة الحصان فأسرعت نحو دياب وصهلت فوق رأسه.. فأيقظته .. فأسرع دياب وامتطى الشهبا فلم يتمكن أو خريبة من مفاجأته كما كان يتمنى.. فوقف كل منهما يتفاخر بقوته ويهون من شانه صاحبه.. فيثير غضبه.. حتى لم يعد هناك بعد الكلام كلام.. فحمل كل منهما على الآخر كالصاعقة ولما وجد أبو خريبة قوة خصمه .. وأخذ يغريه بالمال والجمال.. أن يوقف القتال وبمضى كل منهما إلى حال سبيله.. ولكن دياب المرصود لتقل الزناتى لم يكن ليفعل ويمضى كل منهما إلى حال سبيله. ولكن دياب المرصود لتقل الزناتى لم يكن ليفعل المصالحة مع أخيه.. الأقل شأناً منه فهجم عليه وكر حتى لم يعد هناك مفر .. فضربه ضربة كانت القاضية .. فوقع على الأرض يتخبط فى دمه.
وحين رأى بدران ذلك حاول الخروج ولكن الضبع كان قد أتى.. فلما رآه زام وهجم عليه ولا أن وجد فرع سنط جاف إلى جواره.. فأخذ يضربه به وهو راقد فى الحجر والضبع يحاور ويناوره.. حتى ضربه ضربة فوق رأسه.. فقأت فرع السنط إحدى عينه.. فجرى مهزوماً.. يصرخ من الألم .. انتهزها بدران فرصة .. كل ينطلق إلى حيث كان دياب قائماً بفرسه على رأس جثة أبى خريبة .. فهنأه بالنصر .. وأحضر سيفا وأراد أن يقطع رأس القتيل .. وكان لأبى خريبة شوارب طوال يتحدث عن طولها العيال والرجال.. ولذا حركها الهواء عندما مالت الرأس حين مسها على الرمال فانفزع بدران وانخلع قلبه وقفز مذعوراً إلى الخلف ليسقط فى بركة من مياه الخيل والدماء..
فنزل دياب ضاحكاً من منظره.. فقطع الرأس وحطها فى مخلة الجواد… وتوجه إلى خيمة عقلية .. فاصرت أن تضيفه … فأبى .. وقال :
- كريم الخصال لا يدخل ضيفا فى بيت بلا رجال…
فأكبرت عقيلة موقفه وطلبت منه أن يعيدها إلى أهلها .. وقد وقع حبه فى قلبها.
وأرادت أن تركب خلفه على الفرس.. فلم يوافق. وأرسل بدران ليحضر جملاً عليه هودج أركبها فيه.. ومضى بها والعبد يسحب الجمل وراءه حتى وصل إلى مضارب قبيلتها .. فخرج أهلها على صوت زغريدها.. والتفوا حول دياب يشكرونه وعندما اخبرهم أنه قتل أبى خريبة لم يصدقونه.
فقال دياب لبدران.
- هات الرأس من المخلة..
وحملها بدران يريهم إياها.. فهبت الريح وحركت الشوارب.. ففز كل الأقارب وخرجوا مرعوبين من المضارب.. فضحك دياب من جنبهم وصاحت عقلية بهم فعادوا .. وهم يقدمون رجلاً ويؤخرون الأخرى .. وأراد والد عقلية أن يكرمه.. فعرض عليه أن يهب له ابنته…
فقال له دياب:
- هل لها إخوة يا شيخ؟
- فقال الشيخ مباهياً مفاخراً:
- طبعاً لها عشرة إخوة من الرجال والأبطال…
فسخر دياب وقال:
- هذا واضح وفاضح يا شيح .. أشكرك على هديتك .. ولكنى لا أستطيع قبولها فلتدلى أبناء فى شجاعة أخوتها…
- ولوى لجام الشهبا وتبعه بدران .. وعادا إلى مضاربهم .. ثم أرسل بدران إلى بنى هلال حاملاً رأس أبى خريبة.