من أبوك يابركات؟

من أبوك يابركات؟
عاد مرزوق من " مكة " بالحقيقة ، التى تقول أن قرضاب الشريف لم ير ابنته خضرة ولا ابنها الذى ولدته منذ خمسة عشر عاماً، فازداد بنو هلال حيرة .. وهنا صاح زرق:
-أحضروا الأمير قايد.
وكان الأمير قايد قد اعتزل بنى هلال وعاش فى أحد الكهوف بعيداً يرعى بضع عنزات يعيش على لبنها، منذ عاد من مهمته التى كلفه بها الأمير رزق، يوم أمره أن يوصل خضرا وابنها إلى أبيها فى " مكة "‍!.
وفى البداية رفض قايد أن يعود إلى هؤلاء الذين أصبحوا لا يقيمون وزنا لصلة الدم ولا يرعون الحرمات.. لولا أن أعرف أن الأمر خطير ويتعلق ببركات وشيحا، وفعاد وأخبرهم بالقصة، وكيف استجاب لما طلبته خضرة التى خافت أن تعود إلى أبيها مطلقة ومتهمة.. فطلبت منه أن يتركها للوحوش والضواري وسوف ينجيها اله لبراءتها.. فأشفق عليها وأخذها بنفسه إلى الملك الزحلان، وقص عليه حكايتها فأكرمها واتخذا من ابنها ابناً له.
قال الأمير حازم فى دهشة:
هل تعنى أن بركات هذا .. هو بركات ذلك؟‍!. هل تعنى أن بركات ابن الزحلان هو نفسه بركات ابن زرق الدريدى؟.. يا العجب.
قال سرحان وهو خجلان:
- إذن كانت شيحا تستجيب لنداء قلبها ، نداء الدم فى عروقها..
انتفض رزق وقد فاضت مشاعره حتى البكاء..
- أنا لا أكاد أصدق، كل هذا هراء.. وكذب وافتراء… هل يعنى ذلك أننى كنت سأقتل ابنى.. ؟ وكان هو أن يقتلنى..؟ وماذا سأفعل عند ما يطلبنى الأن للقتال .. هل سأخذل بنى هلال ..أم قتل ابنى يا رجال؟‍؟‍!.
هز الأمير حازم رأسه فى حيرة وقال:
-الحق معك يا رزق . الأمر صعب.. ولكن عندى لك فكرة ستحسم الموقف تماماً استمع ستخرج إليه .. وعندما تلتقيان.. ما عليك إلا أن تقول له..
ولم يسمع أحد ما قاله بسبب صياح بركات الذى ظهر يوصل ويجول فوق فرسه بالقرب منهم متحدياً أن يخرج إليه أحدهم:
- يا بنى هلال.. هل انقرض فيكم الرجال.. أخرج يا رزق لتمحو عار الأمس ولا تتجبر على النساء والصبايا هيا.. ولا تطمع يا سبب الرزايا فى كرم أكثر من ذلك لقد أبقيت على حياتك بالأمس اكرماً لتلك الحسناء الهلالية.. لكن اليوم أمر آخر …. هيا..
أندفع ( رزق) نحو كالسهم ممتطياً حصانه بعد أنهى حديثه مع الأمير حازم.. وأخذ كل منهما يدور حول الآخر فى تحد… وحين اندفع بكرات نحو رزق أوقفه هذا بإشارة من يده وقال:
- أرجع يا فتى وأرسل من يقاتل الرجال.. فإنى لن أقالت ولداً .. لا يعرف من هو أبوه؟‍!.
صدمت الكلمات بركات لوهلة، ثم استعاد نفسه فصاح غضباً:
- ألم تعد تعرفنى يا رزق؟‍؟‍!. ألم تعد تعرف ابن الملك الزحلان الذى وهبك الحياة بالأمس..
قهقه رزق بصوت عالي.. وقال متمادياً فى السخرية:
- ابن من ؟… لا أيها الغر الأحمق الذى لا يعرف نسبة. لقد ضللوك.. إنك لا تعرف من هو أبوك… أذهب وأسأل أمك خضرة فقد تكون لديها بقية من شجاعة لتخبرك بحقيقة أمرك.. هيا.. فإذا عرفت وتأكد، عد إلينا وسوف يكون سيفى فى انتظارك .. هيا..
ولوى رزق عنق فرسه مثلما اتفق معه الأمير حازم تاركا بركات يتخبط فى الحيرة.. بينما ارتفعت ضحكات ساخرة وصيحات مستهزأ من بين صفوف بنى هلال تحاصرة .. وتسود الدنيا فى عينيه .. وأخذ يسأل نفسه.
- أهذا صحيح؟ .. إذن من أكون؟ إذا كان الزحلان قد ربانى فقط، فمن أين جاءت بى خضرة؟ لن تخبرنى طبعاً بالحقيقة .. إذا كانت قد أخفتها عنى كل هذه السنين 4 .. لا هى لن تفعل ؟‍!.‍‍!. ولكن يجب على أن أجد طريقة، كي تعترف أمي بالحقيقة‍‍!!
قال الراوى..
عاد بركات إلى معسكر بنى الزحلان وهو كسير القلب سقيم الوجدان.. مصمم على معرفة الحقيقة، فأسر فى نفسه فكرة دقيقة… وهو يدور حول نفسه كالنمر الجريح فى خيمته.. لا يجرؤ أحد ممن معه على مقاطعته صمته أو حركته!..
وفوجئ الحاضرون بما حدث.. فأسرعوا فزعين إليه فوجدوه فاقد النفس متوقف النبض فتعالي الصياح من كل جانب ، لقد قتل بركات نفسه دون سلاح.. وسرى الخبر سريان النار فى الهشيم .. حتى وصل إلى خضرا، فانفتحت أمها أبواب الجحيم.. شهقت شقة عميقة وأغمضت عينها ثم سقطت مغشياً عليها‍!
‍‍‍‍‍‍‍‍‌ولما أفاقت، قصوا عليها ما حدث.. من عاد بركات من لقائه بـ رزق كسير الجناح مهزوماً مشوش الوجدان لأن رزق أخبره أمام الجميع أنه ليس ابن الزحلان وأنه لن يقاتل ولداً لا يعرف من هو أبوه.. فعزت عليه نفسه ، وتناول سائلاً سلبه الحياة.. لأنه لا يعرف أباه .. صاحت خضرا وهى تضرب صدرها بقبضتيها:
- أهكذا يا رزق؟ .. هكذا ؟ … تقتل أبنك يا رزق؟
واحتضنت جسد ابنها وهو تنوح:
نعم يا حبيبي القلب يا بركات، رزق هو أبوك.. رفضك صغيراً وطلقنى وطردنى وها هو يحرمنى منك كبيراً فأثكلنى .. قم يا بركات، رزق هو أبوك يا بنى…
ووسط دهشة الجميع .. فتح بركا عينيه وقال:
- لا تبكي يا أمي فأبنك حر ما يزال!!
. شهق الحضور وكاد أن يغشى على خضرة مرة أخرى.. لكن بركات أسرع إليها .. وتلقاها بين ذراعيه.. وأخبرها بسر الشراب الذى شربه لتظن أنه سقط ميتاً.. والذى صنعه بيده منوماً مؤقتاً!
ربت بركات على كتفيها وهو يقبل يدها وقال:
- إطمئنى يا ابنه الشريف.. لن أقتله.. ولكن لابد أن أجعله يدفع ثمن جرائمه فى حقك وحق أبى الملك الزحلان.. لابد أن يعترف بذنبه وأن يخرج الشرور التى بقلبه.. ولكن أكون بركات إن لم أرد لك كرامتك يا أشرف الأمهات.. أما أنا .. فسأظل كما أنا .. ابناً للملك الذى ربانى.. ولن أكون ملكاً لمن رمانى وللمجهول ألقانى...
سوف أحضره حياً إليك وإلى أبى ليعتذر إليكما.. ولن أقتله من أجل خاطر أختى شيحا ذات الصوت الجميل الذى نجانى…!