محاكمة شيخا

محاكمة شيخا
عاد زرق إلى معسكره مهاناً، لأن عبداً كبركات وهبه الحياة فصار عتيق سيفه.. وهذا عار عليه ودليل على مذلته وضعفه.. ومن التى كانت السبب فى هذا ؟‍ إبنته شيخاً‍‍ يا للفضيحة‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!. ‍‍‍
زعق رزق الغاضب فى رجاله.
- اجمعوا كل ما تجدون من خشب وحطب،
- واقبضوا على شيحا فسوف نحرقها الآن .. هيا ..
وضرب هذا لتردده، وسبب ذلك لأنه اعترض ، ودفع ذلك الذى حاول أن يتشفع لها.. فمضى الرجال مجبرين يجمعون الأحطاب، بينما اندفع وهو فى ثورة من غضبه إلى حيث النساء، وجر شيحا من ضفائرها، وهو يضربها بكل قسوة.. بينما هى لا تتكلم، ولا تتألم.. وإنما تنظر إليه مباشرة فى عينيه، نظرة تفتت الأكباد.. وكأنه تسأله عن سر ما يفعله الآباء بالأولاد؟‍.
كانت النسوة تبكى وتصرخ… وكان الرجال صامتين فى حزن وغضب بينما رزق يكوم الأحطاب حول إبنته التى ربطها إلى عمود من الخشب‍!
***
وصل الخبر إلى الأمير حازم أمير بنى هلال وأبنه سرحان الذى أسرع رغم جراحه ليمنع رزق، عن فعلته الشنعاء وأمره أن يحل وثاق شيخاً وهو يقول:
- لا تتهور يا رزق ما هكذا تعالج هذه الأمور، لا أحد يحرق ابنته لأنها أنقذت حياته..
صاح رزق فى غضب:
لقد خانتنا .. وفضحتنا .. وظاهرت عدوناً علينا.
قال سرحان.
- صرخت به لتمنعه من قتلك، تعالي لنبحث الأمر معاً على مهل ولا نترك الغضب يعمك
- عن لحقائق..
انتبه رزق فى غضب:
- أية حقائق؟‍!
قال سرحان وهو يضع ذراعه فوق كتفه ليهدئه:
- وهل هناك حقيقة أشد من أبوتك يا رجل؟! حقيقة الدم يا رزق.. لا تجادل فى الحق بالباطل.. أنها ابنتك رغم كل شىء!.
قال رزق:
- لابد من محاكمتها لأنها خانتنا.. وتواطأت مع عدونا بركات، وذلك العبد الذى لا يستحق سوى الموت…
دخل الاثنان فى إلى الخيمة.. وأمر سرحان بعض الرجال أن يجضروا شيخا… وكان كبار بنى هلا كهم مجتمعين حول الأمير حازم الذى كان إلى جانبه القاضى بدير..وأخذ رزق يوجه الاتهام لابنته التى وقفت مرفوعة الرأس تنظر بقوة فى عيونهم مباشرة فتجعلهم يخفضون النظر خجلاً كالمذنبين..
- لماذا فعلت ذلك يا شيخا؟!
قال فى كبرياء.
- وماذا فعلت يا قاضى؟ هل هى جريمة أن أنقذ أبى من الموت.. وانقذ شرفه؟..
صاح رزق بها غاضباً:
- لقد صغرتنى!.. ولوثت شرفى وجعلت هذا العبد يعفو عنى.. فصرت صنيع معروفة..
قال سرحان:
- صمتا يا رزق سيأتى وقتك لتتكلم.
والتفتت إلى شيحا وقال:
أنا أسألك يا ابنتى عن صيحتك الأولى؟ ما الذى بينك وبين بركات لكي تحذريه من ضربة كان من يمكن أن توفر علينا كل هذا القتال؟!.
هزت شيحا رأسها فى غضب وقالت فى سخرية:
- وهل كنت تريد أن يقتل أبى بركات غدراً… ليسقط فى نظر الجميع، العذر يا أمير من شيم الأنذال، ورزق الدريدى ليس نذلاً يا أمير سرحان.
سكت سرحان خجلاً بينما طأطأ رزق رأسه وارتبك الحضور، فلم يستطيع الأمير حازم أن ينطق بكلمة واحدة. بينما فأفأ القاضى، وقبل أن يبلع ريقه أسرعت شيحا تقول:
- لو أن أعينكم ترى، وقلوبكم تحسن وتفوقهم، لرأيتم ما جرى أمامكم وفهمتوه.. ها هو بركات ابن الملك الزحلان.. اسمر اللون رغم أن أخويه منعم ونعيم أبيضان.. فلماذا لم يطرد الزحلان أم ابنه؟ مثلما حرضتم أبى أن يفعل حين ولدت أمى بركات أخي. أننى أتخيله كبيراً ، فى مثل عمر بركات هذا .. وربما أقوى وأشجع منه.. لا يا سادة. أنا لم أخنكم.. لقد خنتم أنفسكم من زمن.. أنا أنقذت أبى، نعم.. ولكنى أنقذت شرفه أيضا، فهو ليس بالغادر الذى يقتل خصمه غيله… فالغدر من صفات الأنذال وحدهم يا بنى هلال.
قالت هذا واستدارت خارجه، ولم يجرؤ أحد على اعتراض طريقها.. فمضت مرفوعة الرأس، وعند الباب توقفت، والتفتت قائلة:
- وأنا فى انتظار حكمك يا أبى.. وتأكد أنك سوف تجدنى مطيعة لك على الدوام.. لكن أعلم أن الجرح الذى أبكانى صغيرة، يوم طردت أمي وأخي، مازال ينزف من قلبى دماً بدلاً من الدموع.. ولكن ماذا نفعل؟! هل للماضى رجوع؟..
خيم على القوم صمت رهيب. ولم يجرؤ أحد منهم على قطع سكونه حتى قال الأمير حازم:
- ليذهب رسول الآن إلى "مكة" : ليسأل الشريف قرضاب عن أخبار ابنته خضرة وابنها…
ثم صاح : يا مرزوق..
أسرع إليه عبد خفيف الحركة كالعصفور.
السمع والطاعة يا سيدى
همس له الأمير:
- طر الليلة إلى " مكة" .. خذ ما تحتاج من هجن سريعة. ولتكن هنا مع الصباح.. ,عليك أ، تحتال كي تتقضى لنا أخبارك " الخضرا"…. هيا لا تضيع دقيقة.. فلا شىء الآن أهم من الحقيقة.. أما أنت يا رزق فأبق عندي الليلة… لا تزداد الأمور سواء .. لا أريد أن تسىء إلى شيخا أفضل فتيات القبيلة.. فهى لم تفعل سوى ما أملته عليها أخلاقها النبيلة…‍‍!